جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

عصمة الصدیقة

زمان مطالعه: 3 دقیقه

لقد عرفت فیما تقدم اتفاق المفسّرین و أرباب الحدیث والتاریخ علی ان الآیة الکریمة «انما یرید اللّه لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهّرکم تطهیراً» نزلت فیمن اشتمل علیهم الکساء و هم النبی الأعظم و وصیّه المقدم و ابنته الزهراء و سبطاه سیدا شباب أهل الجنة الحسن والحسین صلوات اللّه علیهم أجمعین و لم یخف المراد من الرجس المنفی فی الآیة بعد أن کانت واردة فی مقام الإمتنان و اللطف بمن اختصت بهم فإن الغرض بمقتضی أداة الحصر قصر إرادة المولی سبحانه علی تطهیر من ضمهم الکساء عن کل ما تستقذره الطباع و یأمر به الشیطان و یحق لأجله العذاب و یشین السمعة و تقترف به الآثام و تمجه الفطرة و تسقط به المروءة و إلیه یرجع ما ذکره ابن العربی فی الفتوحات المکیة فی الباب

29 من ان الرجس فیها عبارة عن کل ما یشین الإنسان و کذا ما حکاه النووی فی شرح صحیح مسلم عن الأزهری من انه کل مستقذر من عمل و غیره.

و لیس من المعقول تفسیره بخصوص الحدث المرتفع بالطهارت الثلاث الوضوء والغسل والتیمّم بحیث یکون المراد من تطهیرهم کونهم دائماً علی طهارة رافعة للحدث الأصغر إذ لم یثبت لهم هذا الحکم دون الامة کما لا یراد منه خصوص الخبث لأن التطهیر منه واجب علی عامة المکلفین و لا یختص بمن نزلت فیهم الآیة و حمل التطهیر فی الآیة علی عدم تأثر الاخباث فیهم إذا أصابتهم لا قرینة علیه.

بل المراد من إذهاب الرجس الذی هو مساوق لحصول الطهارة المرادة للمولی جلّ شأنه معنی أرقی من جمیع ذلک و هو ما أشرنا إلیه من نفی عموم الرجس فإن اللام الداخلة علیه للإستغراق الجنسی و لم تکن هناک قرینة متصلة أو منفصلة علی تخصیصه بنوع خاص من الرجس، و هذا المعنی الذی قلناه هو الموافق للإمتنان الإلهی واللطف الربوبی و هو عبارة عن العصمة العامة التی تقول بها الإمامیة الإثنا عشریة فی أئمتهم علیهم‏السلام فالکتاب العزیز معاضد لها أفادته الراهین الجلیة من قداستهم عن کل ذلک.

و علیه فالآیة المبارکة دالة علی مشارکة الصدیقة الطاهرة علیهاالسلام لهم فی هذا المعنی الجلیل أعنی العصمة الثابتة للأنبیاء والأوصیاء لأنها کانت معهم تحت الکساء حین نزول الآیة الکریمة و من اُولئک الأفراد الذین قال فیهم النبی صلّی اللّه علیه و آله: اللّهمّ انّ هؤلاء أهل بیتی فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطیهراً.

ولو أعرضنا عن البرهنة العلمیة فإنا لا ننسی مهما نسینا شیئاً انها صلوات اللّه علیها مشتقّة من نور النبی صلّی اللّه علیه و آله المنتخب من الشعاع الإلهی فهی شظیة من الحقیقة المحمدیة المصوغة من عنصر القداسة المفرغة فی بوتقة

النزاهة و انها من أغصان الشجرة النبویة و فرع من جذم الرسالة و لمعة من النور الأقدس المودع فی ذلک الأصل الکریم فمن المستحیل والحالة هذه أن یتطرق الإثم إلی أفعالها أو ان توصم بشی‏ء من شیة العار فلا یهولنک ما یقرع سمعک من الطنین أخذاً من المیول والأهواء المردیة بأن العصمة الثابتة لمن شارکها فی الکساء لأجل تحملهم الحجیة من رسالة أو إمامة و قد تخلت (الحوراء) عنهما فلا تجب عصمتها فإنا لم نقل بتحقق العصمة فیهم علیهم‏السلام لأجل تبلیغ الأحکام حتی یقال بعدم عصمة الصدیقة لعدم توقف التبلیغ علیها و انما تمسّکنا لعصمتهم بعد نص الکتاب العزیز باقتضاء الطبیعة المتکوّنة من النور الإلهی المستحیل فیمن اشتق منه مقارنة أثم أو تلوث بما لا یلائم ذلک النور الأرفع حتی فی مثل ترک الأولی.

و هذه القدسیة کما أوجبت عدم تمثل الشیطان بصورهم فی المنام علی ما أنبأت عنه الآثار الصحیحة أوجبت نزاهة (الزهراء) عما یعتری النساء عند العادة و الولادة تفضیلاً لها و لمن ارتکض فی بطنها من طاهرین مطهّرین.

و ممّا یؤکد العصمة فیها المتواتر من قول الرسول صلّی اللّه علیه و آله: فاطمة بضعة منی یغضبنی من أغضبها و یسرنی من سرها و ان اللّه یغضب لغضبها و یرضی لرضاها(1) فإن هذا کاشف عن اناطة رضاها بما فیه مرضاة الرب جل شأنه و غضبه بغضبها حتی انها لو غضبت أو رضیت علی أمر مباح لابدّ من أن یکون له جهة شرعیة تدخله فی الراجحات و لم تکن حالة الرضا والغضب فیها منبعثة عن جهة نفسانیة و هذا معنی العصمة الثابتة لها سلام اللّه علیها.

و قد استفاد السهیلی من هذا الأحادیث انها أفضل من الشیخین لکونها بضعة من الرسول الأعظم صلّی اللّه علیه و آله و ان سبها کفر لأنه یغضب أباها قطعاً و یوجب سخط المولی سبحانه و یقول ابن حجر کل من أوقع فی فاطمة

فتأذت به فالنبی صلّی اللّه علیه (و آله) و سلم یتأذی به بشهادة هذا الخبر و لا إشکال فی تحریم أذی من یتأذی المصطفی (ص) بتأذیه(2) فتبه من هذا لأمر غامض.


1) الغدیر لحجةالإسلام الشیخ میرزا عبدالحسین الأمینی ج 7 ص 176.

2) المصدر ص 235 ج 7.