و یدلّنا علی مدی ما بلغته فدک من القیمة المعنویة فی النظر الإسلامی قصیدة دعبل الخزاعی التی أنشأها حینما ردّ المأمون فدک و مطلعها:
أصبَحَ وَجهُ الزَّمان قد ضَحِکا++
بردّ مأمونِ هاشمٍ فَدَکا
و قد بقیت کلمة بسیطة و هی أنّ فدک لم تکن أرضاً صغیرة أو مزرعاً متواضعاً کما یظنّ البعض، بل الأمر الذی أطمئنُّ إلیه أنّها کانت تدرّ علی صاحبها أموالاً طائلة تشکّل ثروة مهمّة و لیس علیَّ بعد هذا أن اُحدّد الحاصل السنوی منها و إن ورد فی بعض طرقنا الارتفاع به إلی أعداد عالیة جدّاً.
و یدلُّ علی مقدار القیمة المادّیة لفدک اُمور:
(الأوّل) ما سیأتی من أنّ عمر منع أبابکر من ترک فدک للزهراء لضعف المالیّة العامّة مع احتیاجها إلی التقویة لِما یتهدّد الموقف من حروب الردّة و ثورات العصاة.
و من الجلیّ أنّ أرضاً یستعان بحاصلاتها علی تعدیل میزانیة الدولة، و تقویة مالیّاتها فی ظروف حرجة کظرف الثورات والحروب الداخلیة لابدّ أنّها ذات نتاج عظیم.
(الثانی) قول الخلیفة لفاطمة فی محاورة له معها حول فدک: «إنّ هذا المال لم یکن للنبیّ صلی اللَّه علیه و آله و سلم و إنّما کان مالاً من أموال
المسلمین یحمل النبیّ به الرجال و ینفقه فی سبیل اللَّه» ، فإنّ تحمیل الرجال لا یکون إلّا بمال مهم تتقوّم به نفقات الجیش.
(الثالث) ما سبق من تقسیم معاویة فدک ، و إعطائه لکلّ من یزید و مروان و عمرو بن عثمان ثلثاً، فإنّ هذا یدلّ بوضوح علی مدی الثروة المجتناة من تلک الأرض، فإنّها بلا شکّ ثروة عظیمة تصلح لأن توزّع علی اُمراء ثلاثة من أصحاب الثراء العریض و الأموال الطائلة.
(الرابع) التعبیر عنها بقریة کما فی معجم البلدان ، و تقدیر بعض نخیلها بنخیل الکوفة فی القرن السادس الهجری کما فی شرح النهج لابن أبیالحدید .