إن عظمة السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) و فضائلها و مزایاها و مصائبها و ما رأت من الضغط و الکبت و الاضطهاد کانت کافیة لتهییج العواطف الجیّاشة تجاهها، فلا عجب إذا طفق الشعراء ینثرون مدائحهم للسیدة فاطمة- بمختلف اللغات- و یعبّرون عن شعورهم و حبهم و مودتهم ایاها.
و ذلک حینما اهتزت ضمائرهم، فتفتحت قرائحهم، و فاضت أحاسیسهم فطفقوا یثنون علی السیدة فاطمة الزهراء أحسن الثناء، و یرثونها بأوجع الرثاء.
و أی شاعر یشعر بآلام السیدة فاطمة الزهراء و لا یهیج شعوره؟ و أی إنسان یدرک مواهب السیدة فاطمة الزهراء و مزایاها و لا یعبّر عن مشاعره؟إلاّ أن یکون شعوره متحجراً، أو إدراکه معطلاّ أو أحاسیسه راکدة جامدة.
إن جمال حیاة السیدة فاطمة الزهراء یأخذ بمجامع قلب کل حرٍٍ، و کل قلبٍ حرٍ سلیم. و لقد کان للشعراء مواقف مشکورة مذکورة تجاه سیدتنا فاطمة الزهراء و أخص منهم شعراء القرون الأخیرة فلقد سجلوا أروع آیات الولاء بأجمل تعبیر، و صبّوها فی قالب النظم و القریض مدحاً و رثاءً، و کفاهم بذلک ثمناً للجنة التی وُعد المتّقون.
فإنَّک تجد الأدب الرفیع و المستوی الأعلی و التعبیر الأجمل الأرقی فی کل بیت من کل قصیدة، و کأن کل بیت منها هو بیت القصید.
و إلیک طائفة من باقات الولاء التی سجلّها الشعراء فی دیوان التاریخ الخالد:
1- لقد أجاد المرحوم الشیخ کاظم الازری (تغمده الله برحمته) حیث قال:
نقضوا عهد أحمد فی أخیه++
و أذاقوا البتول ما أشجاها
یوم جاءت إلی عدیٍّ و تیمٍ++
و من الوجد ما أطال بکاها
فدنت و اشتکت إلی الله شکویً++
و الرواسی تهتزّ من شکواها
لست أدری إذروّعت و هی حسری++
عاند القوم بعلها و أباها
تعظ القوم فی أتم خطاب++
حکت المصطفی به و حکاها
هذه الکتب فاسألوها تروها++
بالمواریث ناطقاً فحواها
و بمعنی (یوصیکم الله) أمر++
شامل للأنام فی قرباها
فاطمأنَّت لها القلوب و کادت++
أن تزول الأحقاد ممن طواها
: أیها القوم راقبوا الله فینا++
نحن من روضة الجلیل جناها
و اعلموا أننا مشاعر دین الله++
فیکم فأکرموا مثواها
و لنا من خزائن الغیبِ فیض++
ترد المهتدون منه هداها
أیها الناس أیّ بنت نبیٍّ++
عن مواریثه أبوها زواها؟
کیف یزوی عنی تراثی عتیقٌ++
بأحادیث من لدنه افتراها
کیف لم یوصنا بذلک مولانا؟++
وتیماً من دوننا أوصاها؟
هل رآنا لا نستحق اهتداءً++
و استحقت تیم الهدی فهداها؟
أم تراه أضلنا فی البرایا++
بعد علم لکی نصیب خَطاها؟
أنصفونی من جائرین أضاعا++
حرمة المصطفی و ما رعیاها
2- و لشیخ الفقهاء و الفلاسفة آیة الله الشیخ محمد حسین الاصفهانی (رحمه الله) فی مدح الزهراء (علیهاالسلام) و رثائها:
جوهرة القدس من الکنز الخفی++
بدت فأبدت عالیات الأحرف
و قد تجلی من سماء العظمة++
فی عالم الأسماء أسمی کلمة
بل هی أُمّ الکلمات المحکمة++
فی غیب ذاتها، فکانت مبهمة
أم أئمة العقول الغرّ، بل++
(أمأبیها) و هو علّة العلل
روح النبی فی عظیم المنزلة++
و فی الکفاء کفوء من لا کفؤله
تمثلّت رقیقة الوجود++
لطیفة جلَّت عن الشهود
تطوّرت فی أفضل الأطوار++
نتیجة الأدوار و الأکوار
تصوّرت حقیقة الکمال++
بصورة بدیعة الجمال
فإنها الحوراء فی النزول++
و فی الصعود محور العقول
یمثّل الوجوب فی الإمکان++
عیانها بأحسن العیان
فإنّها قطب رحی الوجود++
فی قوسی النزول و الصعود
و لیس فی محیط تلک الدائرة++
مدارها الأعظم إلاَّ (الطاهرة)
مصونة عن کل رسم و سمة++
مرموزة فی الصحف المطهّرة
(صدّیقة) لا مثلها صدّیقة++
تفرغ بالصدق عن الحقیقة
بدا بذلک الوجود الزاهر++
سرّ ظهوره الحقّ فی المظاهر
هی (البتول) الطهر و (العذراء)++
کمریم الطهر، و لا سواء
فإنَّها سیدة النساء++
و مریم الکبری بلا خفاء
بُشراک یا أبا (العقول العشرة)++
بالبضعة الطاهرة المطهرة
مهجة قلب عالَم الإمکان++
و بهجة الفردوس فی الجنان
غُرّتها الغرّاء مصباح الهدی++
یُعرف حسن المنتهی بالمبتدا
و فی محیّاها بعین الأولیاء++
عینان من ماء الحیاة و الحیاء
بُشراک یا خلاصة الإیجاد++
بصفوة الأنجاد و الأمجاد
أم الکتاب و ابنة التنزیل++
ربّة بیت العلم بالتأویل
بحر الندی و مجمع البحرین++
قلب الهدی و مهجة الکونین
واحدة النبی أوّل العدد++
ثانیة الوصی نسخة الأحد
و مرکز الخمسة من أهل العبا++
و محور السبع علوّاً و إبا
لک الهنا یا سیّد البریة++
بأعظم المواهب السّنیّة
أتاک طاووس ریاض الانس++
بنفحة من نفحات القدس
من جُنّة الأسماء و الصفاء++
جلّت عن المدیح و الثناء
فارتاحت الأرواح من شمیمها++
و اهتزت النفوس من نسیمها
بها انتشی فی الکون کل صاح++
و طابت الأشباح بالأرواح
تحیی بها الأرض و مَن علیها++
و مرجع الأمر غداً إلیها
لهفی لها لقد أضیع قدرها++
حتی تواری بالحجاب بدرها
تجرّعت من غصص الزمان++
ما جاوز الحدّ من البیان
و حبّها من الصفات العالیة++
علیه دارت القرون الخالیة
تبتّلت عن دنس الطبیعة++
فیا لها من رتبة رفیعة
مرفوعة الهمة و العزیمة++
عن نشأة الزخارف الذمیمة
فی أفق المجد هی الزهراء++
للشمس من زهرتها الضیاء
بل هی نور عالَم الأنوار++
و مطلع الشموس و الأقمار
رضیعة الوحی من الجلیل++
حلیفة لمحکم التنزیل
مفطومة عن زلل الأهواء++
معصومة عن وصمة الخطاء
معربة بالستر و الحیاء++
عن غیب ذات باریء الأشیاء
(راضیة) بکل ما قضی القضا++
بما یضیق عنه واسع الفضاء
(زکیة) عن و صمة القیود++
فهی غنیّة عن الحدود
یا قِبلة الأرواح والعقول++
و کعبة الشهود و الوصولِ
مَن بقدومها تشرفت (منی)++
و من بها تدرک غایة المنی
و بابها الرفیع باب الرحمة++
و مستجار کلّ ذی ملمّة
و ما الحطیم عند باب فاطمة++
بنورها تطفأ نار الحاطمة
و بیتها المعمور کعبة السما++
أضحی ثراه للثریا مَلثما
و خدرها السامی رواق العظمة++
و هو- مطاف الکعبة المعظمة
حجابها مثل حجاب الباری++
بارقة تذهب بالأبصار
تمثل الواجب فی حجابها++
فکیف بالإشراق من قبابها
یا درة العصمة والولایة++
من صدف الحکمة و العنایة
فالکوکب الدرّی فی السماء++
من ضوء تلک الدرة البیضاء
و النیّر الأعظم منها کالسّها++
کیف و لا حدّ لها و منتهی
أشرقت العوالم العلویة++
بنور تلک الدرة البهیة
یا دوحة حازت سنام الفلک++
بل جاوز السدرة فرعها الزکی
یا دوحة أغصانها تدلّت++
بموضع فیه العقول ضلّت
دنت إلی مقام (أو أدنی) فلا++
تبتغ من ذلک أعلی مثلا
یا شجر الطور و أین الشجرة++
من دوحة المجد الأثیل المثمرة؟
و إنما السدرة و الزیتونة++
عنوان تلک الدوحة المیمونة
أثمارها الغرّ مجالی الذات++
مظاهر الأسماء و الصفات
مبادیء الحیاة فی البدایة++
و منتهی الغایات للنهایة
أثمارها عزائم القرآن++
فی صفحات مصحف الإمکان
أثمارها منابت للمعرفة++
من جنة الذات غدت مقتطفة
لک الهنا یا (سید الوجود)++
فی نشئات الغیب و الشهود
بمن تعالی شأنها عن مثل++
کیف و لا تکرار فی التجلّی
و لا یثنی هیکل التوحید++
فکیف بالنظیر و الندید
و ملتقی القوسین نقطة، فلا++
تری لها ثانیة أو بدلا
وحیدة فی مجدها القدیم++
فریدة فی أحسن التقویم
و ما أصابها من المصاب++
مفتاح بابه (حدیث الباب)
إن حدیث الباب ذو شجون++
مما به جنت ید الخؤون
أیهجم العدی علی بیت الهدی++
و مهبط الوحی و منتدی الندی؟
أیضرم النار بباب دارها++
و آیة النور علا منارها
و بابها باب نبی الرحمة++
و باب أبواب نجاة الأمة
بل بابها باب العلی الأعلی++
فثمّ وجه الله قد تجلیَّ
ما اکتسبوا بالنار غیر العار++
و من ورائه عذاب النار
ما أجهل القوم فإن النار لا++
تطفیء نور الله جل و علا
و إن کسر الضلع لیس ینجبر++
إلاَّ بصمصام عزیز مقتدر
إذ رضّ تلک الأضلع الزکیة++
رزیة لا مثلها رزیة
و من نبوع الدم من ثدییها++
یُعرف عُظم ما جری علیها
و جاوز الحد بلطم الخدّ++
شلّت ید الطغیان و التعدیّ
فاحمرت العین، و عین المعرفة++
تذرف بالدمع علی تلک الصفة
و لا تزیل حمرة العین سوی++
بیض السیوف یوم ینشر اللوی
و للسیاط رنة، صداها++
فی مسمع الدهر، فما أشجاها
و الأثر الباقی کمثل الدملج++
فی عضد الزهراء أقوی الحجج
و من سواد متنها اسودّ الفضا++
یا ساعد الله العلی المرتضی
وو کز نعل السیف فی جنبیها++
أتی بکل ما أتی علیها
و لست أدری خبر المسمار++
سل صدرَها خزانة الأسرار
و فی جنین المجد ما یُدمی الحشا++
و هل لهم إخفاء أمر قد فشا
و البابُ و الجدار و الدماءُ++
شهود صدق ما به خفاء
لقد جنی الجانی علی جنینها++
فاندکت الجبال من حنینها
أهکذا یُصنع بابنة النبی++
حرصاً علی الملک فیا للعجب؟
أتُمنع المکروبة المقروحة++
عن البکاء خوفاً من الفضیحة
تالله ینبغی لها تبکی دماً++
ما دامت الأرض و دارت السما
لفقد عزها: أبیها السامی++
و لإهتضامها و ذُلّ الحامی
أتستباح نحلة الصدّیقة++
و إرثها من أشرف الخلیفة؟
کیف یُردّ قولها بالزور++
إذ هو ردّ آیة التطهیر؟
أیوخذ الدین من الأعرابی++
و ینبذ المنصوص بالکتاب؟
فاستلبوا ما ملکت یداها++
و ارتکبوا الجریمة مُنتهاها
یا ویلهم قد سألوها البیّنة++
علی خلاف السنّة المبیّنة
و ردّهم شهادة الشهود++
أکبر شاهد علی المقصود
و لم یکن سدّ الثغور غرَضاً++
بل سدّ بابها و باب المرتضی
صدّوا عن الحق و سدّوا بابه++
کأنّهم قد أمنوا عقابه
أبضعة الطهر، العظیم قدرها++
تدفن لیلاً و یعفّی قبرها
ما دُفنت لیلاً بستر و خفا++
إلاَّ لوجدها علی أهل الجفا
ما سمع السامع فیما سمعا++
مجهولة للقدر و القبر معا
یا ویلهم من غضب الجبّار++
بظلمهم ریحانة المختار
3- لبعض الشعراء المتأخرین:
إن قیل حوّاء قلت: فاطم فخرها++
أو قیل مریم قلت: فاطم أفضل
أفهل لحوّا والد کمحمد؟++
أم هل لمریم مثل فاطم أشبُلُ
کلٌّ لها حین الولادة حالة++
منها عقول ذوی البصائر تذهل
هذی لنخلتها إلتجت فتساقطت++
رطباً جنیاً فهی منه تأکل
وضعت بعیسی و هی غیر مروعة++
أنّی و حارسها السرّی الأبسل
و إلی الجدار و صفحة الباب إلتجت++
بنت النبی فأسقطت ما تحمل
سقطت و أسقطت الجنین و حولها++
من کل ذی حسب لئیم جحفل
هذا یعنّفها و ذاک یدعّها++
و یردها هذا و هذا یرکل
و أمامها أسد الأسود، یقوده++
بالحبل قنفذ هل کهذا معضل
و لسوف تأْتی فی القیامة فاطم++
تشکو إلی رب السماء و تعول
و لترفعنَّ جنینها و حنینها++
بشکایة منها السما تتزلزل
ربّاه! میراثی و بعلی حقَّه++
غصبوا، و أبنائی جمیعاً قُتّلوا
فرخای: ذا بالسُمّ أمسی قلبه++
قطعاً، و هذا بالدماء مغسّل
4- و من قصیدة لبعض أشراف مکة نقتطف منها بعضها:
و أتت فاطم تطالب بالإر++
ث من المصطفی فما ورّثاها
لیت شعری لِمَ خولفت سنن++
القرآن فیها؟ و الله قد أعلاها
نُسخت آیة المواریث منها++
أم هُما بعد فرضها بدّلاها؟
أم تری آیة المودة لم تأْ++
تِ بوُدّ الزهراء فی قرباها
ثم قالا: أبوکِ جاء بهذا++
حجة من عنادهم نصباها
قال: للأنبیاء حکم بأن لا++
یُورثوا فی القدیم و انتهراها
أفَبِنتُ النبی لم تدر إن کا++
ن نبی الهدی بذلک فاها؟
بضعة من محمد خالفت ما++
قال؟ حاشا مولاتنا حاشاها
سمعته یقول ذاک و جاءت++
تطلب الإرث ضلّةً و سفاها؟
هی کانت لله أتقی و کانت++
أفضل الخلق عفَّةً و نزاها
أو تقول: النبی قد خالف القر++
آن؟ ویح الأخبار ممن رواها
سل بإبطال قولهم سورة النمـ++
ـل، و سَل مریم التی قبل طه
فهُما ینبئان عن إرث یحیی++
و سلیمان من أراد انتباها
فدعت و اشتکت إلی الله من ذا++
ک و فاضت بدمعها مقلتاها
ثم قالت: فنَحلة لی من وا++
لدی المصطفی فلم ینحلاها
فأقامت بها شهوداً فقالوا:++
بعلها شاهد لها و ابناها
لم یجیزوا شهادة أبنیْ رسول++
الله هادی الأنام إذ ناصباها
لم یکن صادقاً علیّ و لا فا++
طمة عندهم و لا ولداها
جرّعاها من بعد والدها الـ++
ـغیظ مراراً فبئس ما جرّعاها
لیت شعری ما کان ضرّهما الحفـ++
ـظ لعهد النبی لو حفظاها؟
کان إکرام خاتم الرسل الها++
دی البشیر النذیر لو أکرماها
و لکان الجمیل أن یقطعاها++
فدکاً، لا الجمیل أن یقطعاها
أتری المسلمین کانوا یلومو++
نهما فی العطاء لو أعطیاها؟
کان تحت الخضراء بنت نبیٍ++
صادقٍ ناطقٍ أمینٍ سواها؟
بنت مَن؟ أُمّ مَن؟ حلیلة مَن؟++
ویل لمن سنّ ظلمها و أذاها
شیّعت نفسَها ملائکة الرحـ++
ـمن رفقا بها و ما شیعاها
کان زهداً فی أجرها أم عناداً++
لأبیها النبی لم یتبعاها؟
أم لأن البتول أوصت بأن لا++
یشهدا دفنها فما شهداها
لا نبی الهدی أُطیع، و لا فا++
طمة أُکرمت و لا حسناها
…. إلی آخر القصیدة.