جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

فاطمه الزهراء طریحه الفراش

زمان مطالعه: 4 دقیقه

أسفی علیها.

أسفی علی شبابها.

أسفی علی آلامها.

أسفی علی قلبها المتوقد الملتهب.

أسفی علی خاطرها المنکسر.

صارت طریحة الفراش، أخذ المرض و الهزال منها کل مأْخذ.

و استولی الذبول علی تلک الزهرة الزهراء.

إنها لا ترجو العلاج و الدواء، و لا تأمل فی البقاء.

إنها تنتظر الموت، تنتظر التخلص من هذه الحیاة.

تتمنی أن تلتحق بأبیها الرسول.

لقد اقتربت شمسها نحو الغروب.

لقد کادت شمعة الرسول أن تنطفی‏ء.

لقد ضاقت الدنیا و ضیقت علیها.

تنظر إلی زوجها العظیم، جلیس الدار، مسلوب الإمکانیات، مغصوباً حقه.

وتنظر إلی أملاکها قد صودرت، و إلی أموالها قد غصبت.

استغاثت فلم یغثها أحد، و استنصرت فلم ینصرها أحد.

منعوها عن البکاء علی أبیها رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أشرف الأباء.

و عن الامام الباقر (علیه‏السلام) انه کان من دعائها فی شکواها: «یا حی یا قیوم برحمتک أستغیث فأغثنی، أللهم زحزحنی عن النار و أدخلنی الجنة و ألحقنی بأبی محمد.

فإذا قال لها أمیرالمؤمنین: عافاکِ الله و أبقاکِ. تقول: یا أباالحسن ما أسرع اللحاق برسول‏اللهِ(1)

و عن الإمام زین العابدین عن أبیه الحسین (علیهماالسلام) قال: لما مرضت فاطمة بنت رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وصَّت إلی علیّ بن أبی‏طالب (علیه‏السلام) أن یکتم أمرها و یخفی خبرها، و لا یؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلک، و کان یمرّضها بنفسه و تعینه علی ذلک أسماء بنت عمیس علی استسرار بذلک…. الی آخرالحدیث(2)

یستفاد من هذا الحدیث مدی تألُّم السیدة فاطمة الزهراء من ذلک المجتمع الذی عرفت موقفه تجاه بنت رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقد یکون الاستیاء عمیقاً، فی النفس کالجرح الغائر فی البدن الذی یطول بُرؤُه أو لا یبرأ علی مرّ الزمان.

و هکذا یزهد الإنسان المتألِّم فی المجتمع، و یختار الاعتزال عنهم، و بعد أن کان یستأنس بهم صار لا یحب الالتقاء بهم و التحدث معهم.

و إنما یدرک هذه الحالة کل من رأی الجفاء و القساوة من أقاربه أو أصدقائه أو مجتمعه، فإنه ینزعج حتی من رؤیتهم فکیف بالتحدث و المجالسة معهم، و قد یبلغ الأمر بالإنسان أن یملّ الحیاة و یفضّل الموت کی یستریح من الحیاة التی یعیشها مع أهل الجفاء و القسوة.

إختارت السیدة فاطمة زوجها العظیم لیقوم بتمریضها، و لا أعلم کیفیة تمریض الإمام إیاها، فهل کان الإمام یصنع لها طعاماً یلیق بالمرضی، أو یتولی هو أُمور بیته بنفسه؟

و علی کل تقدیر، فقد کانت لأسماء بنت عمیس شرف التعاون فی تمریض السیدة فاطمة، و لعل السبب فی انتخابها لهذه المهمة هو أنّه کانت العلاقات بین السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) و بین أسماء بنت عمیس وُدیّة و طیبة للغایة، إلی درجة أنها کانت تعتبر نفسها من أُسرة بنی‏هاشم، و خاصة و أنها کانت زوجة لجعفر بن أبی‏طالب.

و کانت هی بالذات إمرأة عاطفیة، تؤمن بالوفاء و الإنسانیة، و تقدر الحقوق لأهلها. و تلتزم بالقیم و المفاهیم العلیا.

و یستفاد من مطاوی التاریخ أنها کانت- بالإضافة إلی ذکائها الوافر و عقلها الوقاد- حسنة الأخلاق، طیبة المعاشرة، و کانت السیدة فاطمة الزهراء تبادلها نفس الحب و المودة و الشعور.

و لما قُتل جعفر بن أبی‏طالب فی غزوة مؤتة و بلغ رسول‏الله الخبر بکی (صلی الله علیه و آله و سلم) و بکت الصحابة، و وصل الخبر إلی حجرات الرسول فبکت الهاشمیات، و أقبل الرسول و دخل علی أسماء فدعی بأولاد جعفر و جعل یمسح علی رؤُوسهم، و یشمهم و یضمهم إلی صدره، فأحست أسماء بالشر و قالت: یا رسول‏الله هل بلغک شی‏ء عن جعفر؟

فبکی الرسول و قال لها: احتسبی جعفراً فقد قُتل. فبکت و صاحت. و أقبل رسول الله إلی دار ابنته فاطمة و قال لها: إصنعی طعاماً لآل جعفر فإنهم مشغولون بالعزاء.

فعمدت السیدة فاطمة إلی الدقیق و عجنته و خبزت خبزاً کثیراً، و عمدت

إلی مقدار من التمر و أرسلت بالخبز و التمر إلی دار آل‏جعفر.

و الجدیر بالذکر أن الرسول لم یأمر إحدی زوجاته و لا سائر الهاشمیات بذلک فلعل السبب فی ذلک أن الرسول أراد أن یکون هذا الثواب الجزیل من نصیب ابنته فاطمة.

أو أن الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) اختار لها هذا العمل نظراً للعلاقات الطیبة و السوابق الحسنة و الخدمات الجمة التی أسدتها أسماء بنت عمیس إلی أهل بیت الرسول.

فلقد مرّ علیک أن أسماء حضرت عند السیدة خدیجة ساعة وفاتها، و أنها ساهمت فی التدابیر التی اتخذت فی زواج السیدة فاطمة الزهراء، بل و حضرت أسماء عند السیدة فاطمة ساعة ولادة الإمام الحسین، و قامت بدور القابله المولِّدة و ساعدْنها بعض النساء أیضاً.

و بالرغم من أنها تزوجت بأبی‏بکر بعد مقتل زوجها جعفر فإنها استمرّت علی ولائها، و لم تتغیر قید شعرة، و حتی بعد وفاة الرسول، و موقف أبی‏بکر تجاه أهل البیت کان موقفاً معروفاً.

و بالرغم من الحرب الباردة بین أهل البیت و بین السلطة المتمثلة فی أبی‏بکر فإن أسماء بنت عمیس لم تتأثر بعواطف زوجها، و تحدّت السلطة تحدّیاً لا تنقضی عجائبه.

فکیف کان أبوبکر یسمح لها بالذهاب إلی دار علیّ (علیه‏السلام) لخدمة الزهراء و خدمة أولادها؟

و کیف لم یأمرها بقطع علاقاتها مع أهل البیت فی تلک الظروف الخاصة؟

و علی کل حال، فقد کانت السیدة فاطمة الزهراء تستأنس بأسماء و تنسجم معها و تسکن إلیها، و تبثُّ إلیها آلامها، و کأنها أختها، و کأنها

أحب الناس إلیها، و أقربهن إلی قلبها.

قالت لها السیدة فاطمة فی أواخر أیام حیاتها: کیف أصنع و قد صرت عظماً و قد یبس الجلد علی العظم؟

و فی روایة التهذیب عن أبی‏عبدالله (الصادق) (علیه‏السلام) قال…… و قالت (فاطمة) لأسماء: إنی نحلت و ذهب لحمی، ألا تجعلین لی شیئاً یسترنی؟

قالت أسماء: إنی کنت بأرض الحبشة رأیتهم یصنعون شیئاً أفلا أصنع لکِ، فإن أعجبک أصنع لکِ؟

قالت: نعم.

فدعت (أسماء) بِسریر فأکبته لوجهه، ثم دعت بجرائد فشدتها علی قوائمه ثم جلَّلته ثوباً فقالت: هکذا رأیتهم یصنعون.

فقالت: اصنعی لی مثله، إسترینی سترک الله من النار.

و فی روایة الاستیعاب: فقالت فاطمة: ما أحسن هذا و أجمله لا تعرف به المرأة من الرجل.

و روی انها (علیهاالسلام)- لمارأت ما صورته اسماء- تبسمت، و ما رؤیت مبتسمه-بعد أبیها- إلا یومئذٍ.


1) دلائل الإمامه لابن جریر ص 43، بحار الأنوار ج 43 ص 217.

2) بحارالأنوار ج 43 عن مجالس المفید.