جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

فاطمة الزهراء یوم احد

زمان مطالعه: 3 دقیقه

و بعد سنة واحدة و شهر وقعت غزوة أُحد، و قُتل فیها من أصحاب رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) سبعون رجلاً کانوا هم الصفوة و الزبدة من أصحابه، و فی طلیعتهم عمّه سید الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، و أُصیب رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بحجر إنکسرت منه جبهته الشریفة، و حجر أصاب فمه الطاهر و انکسرت منه ثنایاه، و تخثَّر الدم علی لحیته کأنه حِنّاء أو خضاب.

و فی تلک الآونة صاح إبلیس صیحة سمعها المسلمون فی أُحد، و سمعها أهل المدینة، صاح: (قُتل محمد).

اضطربت القلوب فی جبهة القتال، و انهزم المنهزمون، و ثبت المؤمنون حقاً، و لم یکن إضطراب العوائل فی المدینة بأقل من إضطراب المسلمین فی ساحة القتال.و قد خرجت صفیة بنت عبدالمطلب (عمة النبی) و فاطمة الزهراء إلی احد، فصاحت فاطمة، و وضعت یدها علی رأسها.

و خرجت تصرخ، و خرجت کل هاشمیة و قریشیة، واضعة یدها علی رأسها.

و کان وصول فاطمة الزهراء وصفیة إلی أُحد بعد أن وضعت الحرب أوزارها، و بعد أن قُتل من قُتِل، و جُرحَ من جُرح، و کان النبی یتفقد القتلی و یبحث عن المفقودین من أصحابه.

و هو إذ ذاک قد وصل إلی مصرع حمزة، فوجده بحالة لا توصف،

فقد مثّلوا به أبشع و أقبح مُثلة، فقد قطعوا أصابع یدیه و رجلیه، و جدعوا أنفه و أذنیه و شقّوا بطنه، و أخرجوا کبده، و ترکوه بهذه الحالة.

کان هذا المنظر المشوَّه مؤلماً و محزنا و مخدشاً لقلب الرسول، إذ هو نکایة و تنکیل من المشرکین لعمِّ رسول‏الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و ناصره و المدافع عنه.

کان الحزن و الغیظ قد أخذ من الرسول کل مأْخذ، فبینما هو کذلک و إذا به یری عمَّته صفیة وابنته فاطمة قد توجَّهتا نحو تلک المنطقة، فغطی الرسول جثمان حمزة بردائه، و ستَرَه من القرن إلی القدم کی لا یُری شی‏ء من مواضع المثلة.

و أقبلت صفیة و فاطمة تعدُوان، و جلستا عند مصرع حمزة، و شرعتا بالبکاء والنحیب، و رسول‏الله یساعدهما علی البکاء، و یشارکهما فی الأنین والنحیب، ثم نظرت فاطمة إلی جراحة جبهة الرسول، و إلی الدماء المتخثرة علی وجهه الطاهر و لحیته الشریفة، فصاحت و جعلت تمسح الدم و تقول: اشتدّ غضب الله علی من أَدمی وجه رسول‏الله.

فغسلت الدماء عن وجه أبیها، و کان علی یصبّ الماء بالمجن(1)

فلما رأت فاطمة أنَّ الماء لا یزید الدم إلاَّ کثرة عمدت إلی قطعة حصیرة فأحرقتها، و جعلت رمادها ضماداً علی جبهة أبیها، و ألزمته الجرح، فاستمسک الدم.

أتری کیف انقضت تلک الساعات علی قلب فاطمة؟

فقد تداخلها الحزن العظیم و الخوف الشدید و هی البنت البارَّة بأبیها، العارفة بحقه.

و لما رجع علی (علیه‏السلام) من احد ناولَ فاطمة سیفه، و قال:

خذی هذا السیف، فلقد صدقنی الیوم، و أنشأ یقول:

أفاطم هاکِ السیف غیر ذمیمِ++

فلستُ برعدیدٍ، و لا بلئیم

لعمری لقد أعذرتُ فی نصر أحمد++

و طاعة ربٌ بالعباد علیم

أُرید ثواب الله لا شی‏ء غیره++

و رضوانه فی جنة و نعیم

و کنتُ إمرءاً یسمو إذ الحرب شمُّرت++

و قامت علی ساق بغیر ملیم

اممت ابن عبدالدار حتی جرحته++

بذی رونق یفری العظام صمیم

فغادرته بالقاع فارفضَّ جمعه++

عبادید مما قانط و کلیم

و سیفی بکفّی کالشهاب أهزُّه++

أحزُّ به من عاتقِ و صمیم

فما زلت حتی فضَّ ربی جموعهم++

و أشفیت منهم صدر کل حلیم

أَمیطی دماء القوم عنه فإنه++

سقی آل‏عبد الدار کأْس حمیم

فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): خذیه یا فاطمة فقد أدَّی بعلک ما علیه، قتل الله صنادید قریش بیدیهِ.

أیها القاری‏ء الکریم: لقد مرَّ علیک أن السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) حضرت فی أُحد، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، و لما نظرت إلی جراحة أبیها غسلت الدماء بالماء، و أحرقت قطعة حصیرة و جعلت رمادها علی جبهة أبیها الرسول.

هذه الواقعة کما ذکرها المؤرخون.

و لکن فی زماننا- هذا- جاءت طائفة من الناس، واعتبروا هذه الواقعة ساحةً لمسرحیاتهم الشاذة، فکتبوا بکل إصرار و إلحاح و تکرار أن فاطمة کانت تحضر جبهات القتال و تضمِّد الجرحی، و تداویهم و تسعفهم!!

أنا ما أدری ما یقصد هؤلاء الشواذ من إختلاق هذه الأکذوبة؟

إذا قامت سیدة بتضمید جراحة أبیها فقط و فقط فی العمر مرة واحدة بعد انتهاء القتال هل یقال عنها: انها کانت تحضر جبهات القتال و تضمد

الجرحی و تداویهم؟؟

أنا ما أدری ما هدف هؤلاء من ترویج هذا الباطل و إشاعة هذا الافتراء؟

هل یریدون المسَّ بقدسیَّة السیدة فاطمة الزهراء و نزاهتها؟

أم‏یریدون فتح الطریق للاختلاط بین الجنسین.

و لنفرض أن نسیبة بنت کعب حضرت یوم اُحد لتضمید الجرحی فهل معنی ذلک أن نعتبر السیدة فاطمة الزهراء- و هی سیدة نساءالعالمین فی العفاف و الحیاء و الحشمة و النزاهة و العصمة نعتبرها کالموظفات فی المستشفیات و المستوصفات و مؤسَّسات الإسعاف الدولیة؟؟

أنا ما أدری، و لعلهم یدرون و یعرفون ما یبرِّر لهم هذه الأکذوبة!.


1) المجن: الترس.