لا نعلم- بالضبط- السبب الحقیقی و الدافع الأصلی الذی دعا نساء المهاجرین و الأنصار لعیادة السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)، فهل کان ذلک بإیعاز من رجالهن؟ فما الذی دعا أولئک الرجال لإرسال نسائهم إلی دار السیدة فاطمة؟ أو هل حصل الوعی عند النساء و شعرن بالتقصیر بل الخذلان لبنت رسولالله، فانتشر هذا الشعور بین النساء فأنتج ذلک حضور هن للعیادة، للمجاملة أو إرضاءً لضمائر هن المتألمة مما حدث و جری علی سیدة النساء؟؟
أو کانت هناک أسباب سیاسیة فرضت علیهن ذلک فحضرن لتلطیف الجو و تخفیف توتر العلاقات بین السیدة فاطمة بنت رسولالله (صلی الله علیه و آله و سلم) و بین السلطة الحاکمة فی ذلک الیوم؟
خاصة و أن الموقف الإعتزالی الذی اختارته السیدة فاطمة لنفسها، و انسحابها عن ذلک المجتمع لم یکن خالیاً عن التأثیر، بل کان جالباً لإنتباه الناس، و بالأخص حین خرج الإمام أمیرالمؤمنین بالسیدة فاطمة یطوف بها علی بیوت المهاجرین و الأنصار، تستنجد بهم و تستنهضهم فلم تجد منهم الإسعاف بل وجدت منهم التخاذل، و قد مرّت علیک نتیجة الحوار الذی جری بین السیدة فاطمة الزهراء و بین معاذ بن جبل، و عرفت موقف ابنه من ذلک الرد السیء.
و علی کل تقدیر فلا یعلم- أیضاً- عدد النساء اللاتی حضرن عند السیدة فاطمة الزهراء و هی طریحة الفراش، و لکن المستفاد أن العدد لم یکن قلیلاً
بل کان العدد کثیراً یعبأ به.
فانتهزت السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) الفرصة، و استغلّت اجتماع النساء عندها لأن تضع النقاط علی الحروف، و تکتب فی سجل التاریخ الأعمال البشعة التی قام بها بعض المسلمین تجاه عترة نبیهم و ذریته الطاهرة. و النساء یشکلّن نصف المجتمع أو أکثر من النصف، و کل امرأة مرتبطة برجلٍ من زوج أو أب أو أخ أو إبن، فهی بإمکانها أن تقوم بدورٍ فعّال فی المجتمع و خاصة فی حقل الدعایة و الإعلام و النشر.
فلماذا تسکت السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) فی هذا الإجتماع و لماذا لا تذکر إستیاءها من أولئک المتطرفین؟
«قلن لها: کیف أصبحتِ من علتّکِ یا ابنة رسولالله؟».
هکذا جرت العادة و الآداب أن العائد یسأل المریض عن صحته و عّلته، فیجیبه المریض عما یشعر به من المرض و الألم.
و لکن السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) لم تجبهن عن مرضها و تدهور صحتها،بل أجابتهن عن آلامها النفسیة، و مصائبها الشخصیة فالتحدث عن هذه الأمور أولی و أوجب من التحدث عن أحوالها الصحیة، لأن تلک المصائب هی التی جرَّت العلّة و المرض علی السیدة فاطمة و سلبتها العافیة و الصحة، فالتحدث عن السبب أولی من التحدث عن المسبب و الإخبار عن العلة أفضل من الإخبار عن المعلول.
و هنا أجابت السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) علی أسئلة النسوة کما تقتضی الحال.
و لا تتعجب إن کانت السیدة فاطمة لم تنس أصول الفصاحة و البلاغة و الأدب الرفیع و المستوی الأعلی فی الکلام بسبب إنحراف صحتها، بل قالت: