إن أسماء بنت عُمیس کانت زوجة جعفر بن أبیطالب و قد هاجر جعفر إلی الحبشة مع زوجته و عدد من المسلمین قبل الهجرة من مکة بسنوات، و رجع جعفر من الحبشة إلی المدینة یوم فتح خیبر فی السنة الخامسة من الهجرة.
هذا هو المتفق علیه بین المؤرخین، و لکنک تجد حدیثاً یصرّح بحضور أسماء بنت عُمیس عند السیدة خدیجة الکبری ساعة وفاتها فی مکة کما مر علیک.
و تجد الأحادیث الکثیرة التی تصرِّح بحضورها فی زواج السیدة فاطمة الزهراء تجد التصریح باسمها و إسم أبیها و اللقب: (أسماء بنت عُمیس الخثعمیة).
و قد روی صاحب کشف الغمة حضور أسماء بنت عُمیس الخثعمیة فی زواج السیدة فاطمة، و رواه الحضرمی فی (رشفة الصادی ص 10) و أحمد بن حنبل فی (المناقب) و الهیثمی فی (مجمع الزوائد) و النسائی فی (الخصائص ص31) و محب الدین الطبری فی (ذخائر العقبی) عن إبن عباس، و عن الخوارزمی عن الحسین بن علی (علیهماالسلام) و عن السید جلال الدین عبد الحمید بن فخار الموسوی، و عن الدولابی و عن الإمام الباقر عن آبائه (علیهمالسلام).
و روی عن بعض هؤلاء شیخنا المجلسی فی البحار ج 43.
مع العلم أن زواج السیدة فاطمة کان بعد واقعة بدر، و قبل واقعة أحد، أی فی السنة الأولی أو الثانیة من الهجرة، فکیف الجمع بین هذین القولین؟
إن هذه مشکلة تاریخیة لم یجد المؤرخون لها حلاً مقبولاً صحیحاً، و قد تکلَّف شیخنا المجلسی فی البحار ج 43 ببعض التأویلات أو التصرفات. و لکنها لا تتفق مع التصریح باسم أسماء بنت عُمیس الخثعمیة.
و أعجب من هذا ما ذکره القمی فی سفینة البحار فی مادة (ک ذ ب) عن مجاهد قال:قالت أسماء بنت عُمیس: کنت صاحبة عائشة التی هیأتها و أدخلتها علی رسولالله، و معی نسوة، و قالت: فوالله ما وجدنا عنده قوتاً إلاَّ قدحاً من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، فاستحیت الجاریة فقلت لها:
لا تردی ید رسولالله، خذی منه فأخذته علی حیاء فشربت منه، ثم قال:
ناولی صواحبک
فقلن: لا نشتهیه.
فقال: لا تجمعن جوعاً و کذباً.
قالت: فقلت: یا رسولالله إن قالت إحدانا- لشیء-: لا نشتهیه أیعدُّ ذلک کذباً؟
قال (صلی الله علیه و آله و سلم): إن الکذب لیکتب حتی یکتب الکذیبة کذیبة.کان المقصود من ذکر هذا الحدیث هو حضور أسماء بنت عمیس فی زواج الرسول بعائشة و کان ذلک قبل زواج السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام).
أضف إلی هذا أنه قد اشتهر بالتواتر حضور أسماء بنت عمیس عند ولادة الإمام الحسین (علیهالسلام) فی السنة الرابعة أو الخامسة من الهجرة،
و کل ذلک قبل فتح خیبر، أی قبل رجوع جعفر بن أبیطالب من الحبشة.
و قد روی شیخنا المجلسی فی البحار ج 43 عن محمد بن یوسف الکنجی فی کتابه: (کفایة الطالب) حضور أسماء بنت عمیس فی زواج السیدة فاطمة الزهراء.
قال محمد بن یوسف: هکذا رواه ابن بطة، و هو حسن عال، و ذکر أسماء بنت عمیس فی هذا الحدیث غیر صحیح لأن أسماء هذه إمرأة جعفر ابن أبیطالب…
إلی أن قال: و أسماء التی حضرت فی عرس فاطمة (علیهاالسلام) إنما هی أسماء بنت یزید ابن السکن الأنصاری، و أسماء بنت عمیس کانت مع زوجها جعفر بالحبشة،و قدم بها یوم فتح خیبر سنة سبع، و کان زواج فاطمة (علیهاالسلام) بعد وقعة بدر بأیام یسیرة، فصحَّ بهذا أن أسماء المذکورة فی هذا الحدیث إنما هی بنت یزید….. الی آخره.
أقول: لو لم یکن فی الأحادیث تصریح باسم أسماء و إسم أبیها و لقبها لأمکن هذا التوجیه أو التأویل، و لکن کیف یصح هذا التکلف و التعسّف فی التأویل فی مقابل هذا النص الصریح، و هو: (أسماء بنت عمیس الخثعمیة)؟
و أما أسماء بنت یزید الأنصاری فان لنا أن نتساءل: کیف کانت فی مکه یوم توفیت السیدة خدیجة مع العلم أنها أنصاریة أی من أهل المدینة؟
و الحال أن أسماء التی حضرت وفاة خدیجة فی مکة هی التی حضرت زواج فاطمة الزهراء فی المدینة.
و اننی أظن أن الکنجی إنما قال هذا لوجود المشارکة فی الاسم بین أسماء بنت عمیس و أسماء بنت یزید، و لم یذکر أحد من المؤرخین حضور أسماء الأنصاریة فی مکة عند وفاة السیدة خدیجة.
و الذی یقوی عندی أن الحل الصحیح و الجواب المعقول هو: أن أسماء هذه هی أسماء بنت عمیس الخثعمیة زوجة جعفر بن أبیطالب، و أنها هاجرت مع زوجها إلی الحبشة، و لکنها رجعت إلی مکة، و هاجرت إلی المدینة، و لعلها کررت سفرها إلی الحبشة لأن المسافة من جدة إلی الحبشة هی مسافة عرض البحر الأحمر، و لیس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً و إیاباً، و إن کان التاریخ لم یذکر ذلک لأسماء فإن التاریخ أیضاً لم یذکر لأبیذر الغفاری هجرته إلی الحبشه،و قد روی عن أبیذر قوله: کنت أنا و جعفر بن أبیطالب مهاجرین إلی بلاد الحبشة…. الی آخر کلامه.
روی ذلک الشیخ المجلسی عن کتاب: (علل الشرائع) للصدوق.
و قد ظفرت بروایة رواها المجلسی فی البحار ج 43 فی باب تزویج السیدة فاطمة (علیهاالسلام) عن کتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابویة: أمر النبی بنات عبدالمطلب…. إلی أن یقول: و النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و حمزة و عقیل و (جعفر) و أهل البیت یمشون خلفها.. إلی آخره.
فالتصریح بوجود جعفر یحل هذه المشکلة.
بقیت هنا کلمة: و هی ان هجرة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) کانت بعد وفاة السیدة خدیجة الکبری قطعاً، علی اختلاف فی تاریخ وفاتها فی الشهور و الأعوام قبل الهجرة.
و لکن الظاهر أن السیدة خدیجة توفیت قبل الهجرة بأقل من سنة.
و من ناحیة أُخری کانت هجرة جعفر بن أبیطالب إلی الحبشة مرتین، و هجرته الثانیة کانت بعد وفاة السیدة خدیجة، و قبل هجرة الرسول إلی المدینة.
و الدلیل علی ذلک هو الخبر المروی: أن رسولالله (صلی الله علیه و آله و سلم) یوم کان فی الغار قال: (إنی أری سفینة جعفر تعوم فی البحر).
و من هنا یسهل علینا أن نعرف بأنَّ بنت عمیس کانت فی مکة یوم وفاة خدیجة، و أنها قد حضرت عند وفاتها.
و أما مشکلة امسلمة، فاننا نجد اسم السیدة امسلمة فی الأیام التی سبقت زواج السیدة فاطمة الزهراء، فقد کان النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) فی بیتها یوم خطبة علی (علیهالسلام) من فاطمة الزهراء، و قد قرأت أن النبی أودع عندها شیئاً من صداق فاطمة الزهراء و کانت مرجع النساء فی قضایا زواج السیدة فاطمة.
مع العلم أن المؤرخین ذکروا أن الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) تزوجها فی السنة الرابعة من الهجرة، و زواج السیدة فاطمة کان فی السنة الثانیة من الهجرة بعد بدر و قبل أُحد، فکیف کانت أُمسلمة فی هذه المراحل مع العلم أنها لم تکن زوجة النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) یومذاک؟.
نجیب عن هذا السؤال بما یلی:
أولاً: المناقشة فی سنة زواجها من الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فلعل الرسول تزوجها فی أوائل الهجرة، أو أن زواج السیدة الزهراء کان فی السنة الرابعة من الهجرة و هذا احتمال بعید و قول ضعیف لا یُعبأُ به.
ثانیاً: إن السیدة أُمسلمة هی بنت عمة النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) فلا مانع ان تساهم فی مراحل زواج السیدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بحیث أن النبی یستودعها صداق فاطمة الزهراء، أو یکون لها إقتراح و رأی فی تعجیل زفاف السیدة فاطمة الزهراء. و لعل هذا الوجه هو الأقوی.
هذا ما یتبادر الی ذهنی و الله العالم بحقائق الأمور.