تلک هی الحوراء الصدّیقة فاطمة بنت رسولاللَّه صلی اللَّه علیه و آله و سلم ریحانة النبوّة، و مثال العصمة، و هالة النور المشعّة، و بقیّة الرسول بین المسلمین- فی طریقها إلی المسجد- و قد خسرت أبوّةً هی أزهی الاُبّوات فی تاریخ الإنسان، و أفیضها حناناً، و أکثرها إشفاقاً، و أوفرها برکة.
و هذه کارثة من شأنها أن تذیق المصاب بها مرارة الموت أو أن تظهر له الموت حلواً شهیّاً، و أمَلاً نیّراً.
و هکذا کانت الزهراء حینما لحق أبوها بالرفیق الأعلی، و طارت روحه الفرد إلی جنان ربّها راضیة مرضیّة.
ثمّ لم تقف الحوادث المرّة عند هذا الحدّ الرهیب، بل عُرّضت الزهراء لخَطْب آخر قد لا یقلّ تأثیراً فی نفسها الطهور، و إیقاداً لحزنها، و إذ کاءً لأساها عن الفاجعة الاُولی کثیراً و هو خسارة المجد الذی
السماء لبیت النبوة علی طول التاریخ، و أعنی بهذا المجد العظیم سیادة الاُمّة و زعامتها الکبری، فقد کان من تشریعات السماء أن یسوس آل محمّد صلی اللَّه علیه و آله و سلم اُمّته و شیعته، لأنّهم مشتقّاته و مصغّراته، و إذا بالتقدیر المعاکس یصرف مراکز الزعامة عن أهلها، و مناصب الحکم عن أصحابها، و یرتّب لها خلفاء و اُمراء من عند نفسه.
و بهذا و ذاک خسرت الزهراء أقدس النبوّات و الاُبوّات، وأخلد الرئاسات و الزعامات بین عشیّة و ضحاها، فبعثتها نفسها المطوّقة بآفاق من الحزن و الأسف إلی المعرکة و مجالاتها، و مباشرة الثورة و الإستمرار علیها.
والحقیقة التی لا شکّ فیها أنّ أحداً ممن یوافقها علی مبدئها و نهضتها لم یکن لیمکنه أن یقف موقفها، و یستبسل استبسالها فی الجهاد إلّا و أن یکون أکلة باردة، و طعمة رخیصة لسلطات الحاکمة التی کانت قد بلغت یومذاک أوج الضغط والشدّة. فعلی الإشارة عتاب، و علی القول حساب، و علی الفعل عقاب ، فلم یکن لیختلف عمّا نصطلح علیه الیوم بالأحکام العرفیة، و هو أمر ضروری للسلطات یومئذٍ فی سبیل تدعیم أساسها، و تثبیت بنیانها.
أمّا إذا کان القائم المدافع بنت محمّد صلی اللَّه علیه و آله و سلم و بضعته و صورته الناضرة، فهی محفوظة لا خوف علیها بلا شکّ، باعتبار هذه النبوّة المقدّسة، و لِما للمرأة فی الإسلام عموماً من حرمات و خصائص تمنعها و تحمیها من الأذی.